مقالاتمقالات للدكتورة هلا السعيد

دراسه بعنوان تقييم واقع وسائل الإعلام ودورها في خدمة قضايا الأشخاص ذوي الاعاقه

بقلم الدكتورة / هلا السعيد

اليوم قرأت مقاله بجريدة تتحدث عن ذوي الاعاقه المقاله مستخدم فيها مصطلحات خاطئه ومعلومات مغلوطه
فسألت نفسي هل نحن بزمن يعوم كل كاتب علي موج بحر ذوي الاعاقه و يكتب ويتكلم عن ذوي الاعاقه وهو لا يعرف شي عن هذه الفئه ولا يفهم بقضاياهم.
نادينا من قبل بان الاعلامي يجب ان يثقف نفسه بما يريد ان يكتب به ومن ليس لديه خبرة يستعين بذوي الخبرة لتوصيل معلومه صحيحه ومفيده تخدم المستمع والمتابع
جميعنا يعلم بأن الرسائل الإعلامية لها إشكال متنوعة فمنها التقليدي ومنها الحديث فمنها المرئية والمسموعة والمقروءة‬ ‫والالكترونية أيضا‪ ،‬وعلي الرغم من ذلك إلا اننا نلاحظ قصورا واضحا في قدرتها علي‬ ‫تقديم رؤية جادة نحوي ذوي الاعاقه والتي من شأنها خلق الوعي‬ ‫المجتمعي وتقبل حقوقهم وواجباتهم وتفهم طرق تأهيلهم ودمجهم في‬ ‫المجتمع المحيط بهم ‪ ،‬لذلك عندما اتبني قضيه محورها الاشخاص ذوي الاعاقه فلا بد من إنشاء‬ ‫إعلام متخصص يعمل من خلال المواد والرسائل الإعلامية في تشكيل‬ ‫التوجه الإيجابي المرغوب من قبل أفراد المجتمع نحو ذوي الاعاقة‪.‬‬ ‫‪

دور وسائل الإعلام في أي مجتمع :

حيث تعتبر وسائل الاعلام المسؤولة عن صياغة و نشر و توزيع الأخبار و المعلومات و الأفكار و الآراء, و بالتالي تصبح من أهم الوسائل الفاعلة في أي مجتمع لتغيير القيم و الأتجاهات و لتعزيز أي سلوك إيجابي و تكريسه, و تهميش أي سلوك سلبي في نفس المجتمع.
و لذا تعتمد الحكومات و المؤسسات الحكومية و الخاصة و مؤسسات المجتمع المدني و الجمعيات و الهيئات ذات الصلة بالمجتمع و شرائحه, تعتمد على وسائل الإعلام الجماهيرية (صحافة, إذاعة, تلفزيون, سينما) والاعلام الحديث السوشيال ميديا في الوصول إلى الجمهور المستهدف و تحقيق الأهداف المتوخاة من ذلك الإتصال.
و المجتمع ليس شئياً واحداً أو كلاً متشابهاً في طبيعته و صفاته و دوره, بل يشمل المجتمع شرائح كثيرة متباينة الصفات و الأوضاع و الأهداف و الأفكار و القيم و الإتجاهات. و لذا كان لزاماً على وسائل الإعلام أن تغير من نظرة المجتمع بصياغه رسائل إعلامية مناسبة لكل شريحة مستهدفة بحيث يتم صياغة تلك الرسائل بما يتناسب مع اتجاهات و أفكار و سمات تلك الشريحة المستهدفة.
وحيث لاحظنا وجود ثلاث أساليب تتعامل من خلالها وسائل الإعلام مع قضايا الإعاقة و الأشخاص ذوي الاعاقه و هي :
١- اسلوب التعتيم (اللا مبالاة و عدم الاهتمام)
٢- اسلوب التشويه,
٣- اسلوب إعلام المناسبات.

لذلك وسائل الإعلام و المؤسسات الإعلامية لا يمكن لها أن تحقق الهدف من وجودها بنشر الوعي بقضايا الاشخاص ذوي الاعاقه ونشر الرسائل الايجابيه من اجل عمل تغيير من النظرة السلبية لذوي الاعاقه في المجتمع دون أن تتظافر جميع مؤسسات الدولة العامة و الخاصة بجهودها في هذه المسألة, فدور الإعلام هو دور مكمل لباقي الجهود, و لا يمكن النظر له بمعزل عن باقي العوامل و المتغيرات التي تؤثر بالمجتمع.

علاقة وسائل الإعلام بالمجتمع:

هل تدرك السمكة أنها مبتلة بالماء؟

هذا السؤال طرحه عالم الاتصال الكندي المعروف مارشال ماكلوهان (صاحب نظرية القرية العالمية), الجواب طبعاً “لا”, فالسمكة لا تدرك أنها مبللة بالماء لأن البيئة التي تعيش فيها السمكة مغلفة بالماء (بيئة مائية) إلى درجة أنها لا تشعر بالماء إلا في حالة فقدان الماء أو غيابه!
هكذا الحال تماماً في علاقة أفراد الجمهور بوسائل الإعلام الجماهيرية.
إن وسائل الإعلام تتدخل تقريباً في كل مجالات حياتنا اليومية و واقعنا إلى درجة أننا لا نشعر بوجودها, ايضا تأثيرها علينا و على حياتنا, إننا كالسمك في الماء محاطين بوسائل الإعلام الجماهيرية من كل جانب, إن وسائل الإعلام تزودنا بالمعلومة, تسلينا و ترفه عنا, تسعدنا, تحزننا, تضايقنا, تحرك مشاعرنا, تتحدى ذكائنا, و أحياناً تحاول استغفالنا. إن هذه الوسائل تساعدنا على التعرف على أنفسنا, كما أنها تشكل واقعنا و حياتنا.
الاتصال (Communication) مأخوذة من (Common) أي مشترك و عام. فالاتصال كعملية يتضمن المشاركة حول شيء أو فكرة أو إحساس أو اتجاه أو سلوك أو فعل ما. فنحن عندما نتصل بالناس في حياتنا اليومية إنما نشترك معهم في تبادل الأفكار و المعلومات.
الاتصال, في أبسط صوره, هو ” إرسال رسالة من مصدر إلى مستقبل بغرض إحداث تأثير”. الإنسان منذ بدء الخليقة يعيش في تجمعات بشرية. و لكي يتفاعل الإنسان مع مجتمعه لابد عليه من أن “يتصل” بمن حوله حتى يستطيع أن يتبادل الأخبار, المعلومات, الآراء, المشاعر و التي تؤثر في حياته اليومية. لذا يتميز المجتمع الإنساني بأنه مجتمع اتصالي لأن الناس تحتاج إلى الاتصال بالآخرين لتسهيل أمور حياتهم.
عندما نتحدث عن علاقة الإعلام بالإعاقة و نصفها بأنها علاقة تفاعلية و مسؤولية متبادلة, فإن ذلك يعني أننا بدأنا ندرك و نعي أهمية توظيف وسائل الإعلام في إثارة قضايا الأشخاص ذوي الاعاقه في المجتمع, و استغلالها في التوعية الشاملة لكل أفراد المجتمع بالنسبة فيما يتعلق بمفهوم الإعاقة و بضرورة دمج ذوي الاعاقه في مجتمعه لكي يكون عضواً فاعلاً كبقية أفراد المجتمع.
إن لوسائل الإعلام وظائف متنوعة في المجتمع و من خلال الوظائف تؤثر وسائل الإعلام في أفراد المجتمع و في قيمه و آرائه و اتجاهاته, و تساهم بالتغيير الاجتماعي للمجتمع.
اذا أن تناول الإعلام لمفهوم الإعاقة أصبح قضية محوريّة، يستخدم فيها الإعلام الكلمة والصورة، واللذين غالباً ما يعكسان طريقة تفكيرنا ورؤيتنا، ويؤثران في نظرة المجتمع لقضية ما

وظائف الاتصال:

فإننا نخلص إلى بعض الوظائف المهمة و التي تخدمنا في موضوع علاقة الإعلام بالإعاقة و بالأشخاص ذوي الاعاقه و قضاياهم:
· اولا: وظيفة الأخبار و التزويد بالمعلومات و الأخبار عن ما يحدث في بيئتنا أو من حولنا.
· ثانيا: وظيفة الإعلام و التعليم.
· ثالثا: وظيفة ترابط المجتمع و نقل تراثه, حيث يتم نقل القيم و العادات و التقاليد و اللغة إلى أفراد المجتمع.
· رابعا: وظيفة الترفيه: و هي وظيفة أساسية لتحقيق بعض الإشاعات النفسية و الاجتماعية.
· خامسا: وظيفة الرقابة: و هي تعنى بحماية المجتمع و صيانته من الفساد و المخالفات و إساءة استخدام السلطة.
· سادسا: وظيفة الإعلان و الترويج و التسويق.
· سابعا: وظيفة تكوين الآراء و الاتجاهات لدى الجمهور.

نظريات إعلامية لتفسير العلاقة بين وسائل الإعلام و بين المجتمع:

و لقد تم التوصل إلى عدة نظريات إعلامية لتفسير العلاقة بين وسائل الإعلام و بين المجتمع, و سنسلط الضوء على نظريتين إعلاميتين تشرحان كيف يمكن استخدام وسائل الإعلام للتأثير على أفراد الجمهور في تبني القضايا و الاتجاهات و الأفكار التي يريدها القائم بالاتصال, و هذه النظريتين هما:
١- نظرية ترتيب الأوليات
٢-نظرية الغرس الثقافي.

1. نظرية ترتيب الأوليات (تحديد الأجندة)

بسبب اعتماد أفراد الجمهور على وسائل الإعلام, أصبحت وسائل الإعلام الجماهيرية و بالذات التلفزيون أهم الوسائل الإعلامية تأثيراً في تشكيل أفكار و آراء الجمهور, و بالتالي تؤثر حتى في تحديد أولويات الجمهور و فيما يظنه مهم أو غير مهم, و ذلك بالتركيز على موضوعات معينة أو التعتيم على موضوعات أخرى, مما يجعل الجمهور يتفاعل مع القضايا المثارة إعلامياً و يتناسى أو ينسى القضايا غير المثارة إعلامياً.
و هذا ما أثار اهتمام الباحث الإعلامي لازرفيلد في عام 1944 عندما بحث في قدرة وسائل الإعلام الجماهيرية على صياغة و تشكيل أولويات الناس تجاه القضايا المختلفة في المجتمع، بحيث أنه إذا تم التركيز على قضية معينة في الإعلام, فإنها ستحظى بنفس الإهتمام لدى الجمهور, و العكس صحيح.
بمعنى أنه إذا ركزت وسائل الإعلام على قضية معينة وأبرزتها فإن هذه القضية تكتسب نفس الأهمية لدى الجمهور, و هذا ما يعرف بنظرية “تحديد الأوليات” أو نظرية “تحديد الأجندة” Agenda Setting Theory و التي أثارها الباحثان الإعلاميان مكومبس، وشو.
و نظرية ترتيب الأوليات-تحديد الأجندة تفيد :
وجود علاقة إيجابية بين ما تؤكده وسائل الإعلام في رسائلها, و بين ما يراه الجمهور هاماً. أي أن دور وسائل الإعلام يسهم في ترتيب الأوليوات عند الجمهور. و من ثم فإن وسائل الإعلام بهذا المعنى تقوم بمهمة تعليمية.
لقد أصبحت وسائل الإعلام الجماهيرية الرئيسة (الإذاعة, التلفزيون, الصحافة) هي الوسيط بين الأحداث و بين أفراد الجمهور, فهي تنقل الأخبار و المعلومات و الرأي و التفسير و التحليل, و هي بذلك تساهم في خلق “واقع اجتماعي” يعيش فيه أفراد الجمهور, و لذلك تبدو أي عملية تغيير في المنظومة الفكرية و الثقافية لدى الفرد غير ناجعة إذا لم توظف وسائل الإعلام التوظيف الصحيح.
فكرة النظرية أنه مثلما يحدد جدول الأعمال في أي لقاء ترتيب الموضوعات التي سوف تُناقش بناءً على أهميتها, و لذا فإن وسائل الإعلام لها جدول أعمالها الخاص التي تحدد الأهم و الأقل أهمية من الموضوعات و الأحداث.
الناس تتحدث في حياتها اليومية عن الموضوعات أو الأحداث التي تظهر في الوسائل الإعلامية, و بمجرد اختفاء هذه الأحداث من واجهة الصحف, مثلاً, فإن الناس سوف تنساها تدريجياً.
هذه النظرية تهتم بدراسة العلاقة التبادلية بين وسائل الإعلام و الجماهير التي تتعرض لتلك الوسائل في تحديد أولويات القضايا السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التي تهم المجتمع. كما تفترض النظرية أن وسائل الإعلام لا تستطيع تغطية جميع الموضوعات, لذا يختار القائمون على هذه الوسائل بعض الموضوعات التي يتم التركيز عليها بشدة و التحكم في طبيعتها و محتواها. و هذه الموضوعات تثير إهتمامات الناس تدريجياً, و تجعلهم يدركونها, و يفكرون فيها, و يقلقون بشأنها. و بالتالي تمثل هذه الموضوعات لدى الجماهير أهمية أكبر نسبياً من الموضوعات الأخرى التي لا تطرحها وسائل الإعلام.
وسائل الإعلام هي التي توجه الاهتمام نحو قضايا بعينها, فهي التي تطرح الموضوعات, و تقترح ما الذي ينبغي أن يفكر فيه الأفراد باعتبارهم أعضاء في الحشد, و ما الذي ينبغي أن يعرفوه, و ما الذي ينبغي أن يشعروه به.
حين تقرر وسائل الإعلام تخصيص معظم الوقت و المساحة في التغطية الإخبارية لقضية ما, فإن هذه القضية سوف تكتسب أهمية قصوى لدى الجماهير التي تتعرض لتلك الوسائل.
و إذا ما أردنا أن نسقط هذه النظرية أو أن نوظفها في موضوع الإعاقة و قضايا الأشخاص ذوي الاعاقه فإننا نستطيع القول بأن الاهتمام الزمني (في الإذاعي و التلفزيوني) أو المساحة (الصحف و المطبوعات) الذي توليه وسائل الإعلام في المجتمع لقضايا الإعاقة, فإنها ستجعل بقية أفراد المجتمع تهتم بهذا الموضوع و تتحدث عنه. و العكس صحيح أيضاً, فإنه عندما تهمل وسائل الإعلام إثارة قضايا ذوي الاعاقه
أو لا تعطيها مساحة زمنية أو مكانية كافية, فإن اهتمام الجمهور يتلاشى و يختفي لقضايا ذوي الاعاقه, و هذا ما يحدث في الواقع, حيث لا تهتم وسائل الإعلام كثيراً في قضايا ذوي الاعاقه إلا عندما تكون هناك مناسبة معينة كيوم الإعاقة العالمي أو العربي, أو يكون هناك نشاط معين (كمؤتمر أو ملتقى حول الإعاقة), و بالتالي لا نستغرب كثيراً عندما نرى عزوف أفراد المجتمع عن الاهتمام بقضايا ذوي الاعاقه.

2. نظرية الغرس (الإنماء) الثقافي Cultivation Theory

و هناك نظرية إعلامية أخرى تبدو مفيدة و نحن نتحدث هنا عن العلاقة بين الإعلام و الإعاقة, و هذه النظرية هي نظرية الغرس الثقافي Cultivation Theory و هذه النظرية قدمها الباحث الأمريكي جورج جربنر من خلال مشروعه الخاص بالمؤشرات الثقافية التي اهتمت المؤشرات الثقافية بثلاث قضايا متداخلة هي :
-دراسة الهيا والعمليات التي تؤثر على إنتاج الرسائل الإعلامية
– دراسة الرسائل و القيم و الصور الذهنية التي تعكسها وسائل الإعلام
– دراسة الإسهام المستقل للرسائل الجماهيرية على إدراك الجمهور للواقع الاجتماعي.
تنص النظرية على :
أن مداومة التعرض للتلفزيون ولفترات طويلة و منتظمة تنمي لدى المشاهد اعتقاداً بأن العالم الذي يراه على شاشة التلفزيون, إنما هو صورة من العالم الواقعي الذي يحياه.
و تفترض النظرية أن الأشخاص الذين يشاهدون كميات ضخمة من البرامج التلفزيونية (كثيفو المشاهدة) يختلفون في إدراكهم للواقع الاجتماعي عن أولئك الذين يشاهدون كميات قليلة من البرامج أو لا يشاهدون (قليلو المشاهدة), ذلك أن كثيفي المشاهدة سيكون لديهم قدرة أكبر على إدراك الواقع المعاش بطريقة متسقة مع الصور الذهنية التي ينقلها عالم التلفزيون. و يرى واضعو النظرية أن وسائل الاتصال الجماهيرية تحدث آثاراً قوية على إدراك الناس للعالم الخارجي, خاصة هؤلاء الذين يتعرضون لتلك الوسائل لفترات طويلة و منتظمة.
و ممكن تلخيص النظرية إلى أن :
-الذين يشاهدون التلفزيون بكثافة Heavy Viewers فإنهم يعتقدون أن ما يشاهدونه من خلال التلفزيون من واقع و أحداث و شخصيات فإنها تكون مطابقة لما يحدث في الحقيقة و في الحياة.
-نظرية الغرس الثقافي تفيد بأن الأفراد كثيفي المشاهدة بانتظام يميلون إلى رؤية العالم كما يصوره التلفزيون مقارنة بغيرهم ممن هم قليلي المشاهدة, فالعرض المتكرر يشكل الآراء و يبني المواقف. – كذلك المشاهدة المتكررة تخلق ثقافة موحدة للحقيقة و الاعتقادات التي توجد عليها الأشياء في العالم.

و إذا أردنا أن نسقط هذه النظرية على الإعاقة و الأشخاص ذوي الاعاقه , فإن الصور الذهنية و الواقع الاجتماعي التي تقدمه وسائل الإعلام (و خصوصاً التلفزيون) عن ذوي الاعاقه, تجعل الجمهور سوف يؤمن بأن هذا هو الواقع الفعلي لذوي الاعاقه. فمثلاً, إذا كانت صورة ذوي الاعاقه التي تعرضها الدراما العربية هي صورة سلبية و مشوهة بحيث يبدو ذوي الاعاقه كأنه عالة على غيره و لا يستطيع أن يفعل شيئاً و هو شخص منعزل عن الحياة, فإن مشاهدي التلفزيون عندما يشاهدون شخصاً من ذوي الاعاقه أمامهم في الحياة العامة فإنهم سوف يستحضرون تلك الصور الذهنية السلبية التي شاهدوها في التلفزيون و يبدءون يتعاملون مع هذا الشخص من ذوي الاعاقه على هذا الأساس. و من تبدو مسألة توظيف الصور الإيجابية للأشخاص ذوي الاعاقه مهمة لأنها تساهم في غرس صورة إيجابية لدى جمهور وسائل الإعلام و خاصة التلفزيون, و بالتالي يبدأ الجمهور يغير من نظرته السلبية لذوي الاعاقه.

علاقة وسائل الإعلام بالإعاقة و ذوي الاعاقه:

و بناء على ما تم توضيحه من قدرة وسائل الإعلام على التأثير على ما يؤمن به أفراد الجمهور عن طريق صياغة الرسائل الإعلامية و بثها عبر وسائل الإعلام المتنوعة بأكثر من قالب إعلامي, و بالنظر إلى طريقة تعامل وسائل الإعلام مع قضايا الإعاقة و ذوي الاعاقه, نستطيع أن نخرج بمحموعة من الملاحظات التي نراها مهمة و يجب تسليط الضوء عليها لكي يتم معالجتها, هذا ما أردنا فعلاً أن نفعل العلاقة الإيجابية بين الإعلام و بين الأشخاص ذوي الاعاقه في المجتمع.
إن طريقة تعامل وسائل الإعلام العربية بشكل عام مع قضايا الإعاقة و ذوي الاعاقه سواء في برامجها الجادة (البرامج الحوارية في الإذاعة أو التلفزيونيه أو المقابلات و التحقيقات الصحفية) أو من خلال البرامج الترفيهية (المسلسلات و المسرحيات و الأفلام) لا يخرج عن ثلاث طرق للتعامل: التعتيم (اللامبالاة), التشويه, إعلام المناسبات

الأسلوب الأول: التعتيم (اللامبالاة)

و نقصد بهذا الأسلوب هو أن تقوم وسائل الإعلام بالامتناع (أو اللامبالاة و عدم الاهتمام) عن التغطية الإخبارية أو المعلوماتية لقضايا الإعاقة و ذوي الاعاقه, و عدم تسليطها الضوء على ما يحتاجه ذوي الاعاقه في مجتمعاتنا من إثارة لموضوعاتهم و قضاياهم أو إعطائهم المساحة الزمنية (إذاعة و تلفزيون) أو المكانية (الصحف و المطبوعات) لكي يبرزوا قضاياهم من توعية لمفهوم الإعاقة و ذوي الاعاقه, و للدور الذي يمكنه أن يقوم بها ذوي الاعاقه لخدمة بلدهم و أسرهم و أنفسهم, أو عدم إثارة لمشكلاتهم التي يعانون منها سواء على المستوى الطبي أو بإنشاء مؤسسات و جمعيات تهتم بهم و تنمى مواهبهم و تحتضن طاقاتهم, و تبرزها بالشكل المفيد و التنموي لهم و لمجتمعاتهم, كما أنها قد لا تساهم في قضية دمج ذوي الاعاقه في مجتمعاتهم و رعايتهم و تأهيلهم.
و أسلوب التعتيم (أو اللامبالاة و عدم الاهتمام) قد لا يكون واضحاً في أداء وسائل الإعلام العربية لأن أغلبها تتبع أسلوب “إعلام المناسبات”, إلا أن بعضها – كما يرى الباحث- قد تنحو هذا المنحى حين لا تجعل قضايا الإعاقة و ذوي الاعاقه من ضمن أولياتها الإعلامية, و بالتالي لا تعطيه التغطية الإعلامية التي يستحقها.
و هناك أسباب عديدة لاتباع وسائل الإعلام لأسلوب التعتيم بالنسبة لقضايا الإعاقة و ذوي الاعاقه, و نذكر منها:
1. الجهل المعرفي لمفهوم الإعاقة و ذوي الاعاقه إذ أن أغلب أفراد المجتمع قد يجهلون المفهوم العلمي لذوي الاعاقه و كيفية التعامل معهم و ضرورة النظر إليهم على أن انهم اشخاص يمكن أن يساهموا بجهدهم في المجتمع! إن النظرة السائدة لذوي الاعاقه لدى أفراد المجتمع أنه شخص مريض و سلبي و عالة على اسرته و يستحق التعاطف و الشفقة, و هذا النظرة القاصرة انتلقت بطبيعة الحال إلى وسائل الإعلام و الإعلاميين, ذلكم أن العلاميين هم في النهاية أفراداً في المجتمع و يتفاعلون مع أفراده و مؤسساته و قضايا كما يتفاعل اي شخص آخر.
2. قصور جميعات النفع العام ذات الصلة بذوي الاعاقه: لان جمعيات ذوي الإعاقه ليس لديها ذلك الحس الإعلامي الذي يمكنها من استغلال وسائل الإعلام بالصورة الأمثل و التي تعود بالنفع على ذوي الاعاقه. بل إن بعض مسؤولي الإعلام في المجتمع يرى أن التقصير ليس نابعاً من وسائل الإعلام بل من الجمعيات المهتمة بذوي الاعاقه, إذ أنهم لا يمدون وسائل الإعلام (صحافة, إذاعة, تلفزيون) بما يكفي من مواد إعلامية حول قضايا الإعاقة و ذوي الاعاقه. أو أن أنهم لا يتواصلون بشكل متواصل و مستمر مع وسائل الإعلام التي تهتم بأمور أخرى كثيرة.
و هذا الكلام صحيح بشكل عام لأن موضوع الإعاقة و ذوي الاعاقه موضوع متخصص و دقيق و بالتالي ليس كل صحفي أو أعلامي لديه المعرفة العلمية الكافية حول مفهوم الإعاقة أو قضايا ذوي الاعاقه, و هنا يأتي دور جمعيات النفع العام ذات الصلة بذوي الاعاقه لكي تقوم بعمل دورات أو حلقات نقاشية لتوعية الصحيفيين و الإعلاميين بكل ما يتعلق بالإعاقة, كما أن عليها تزويد و إمداد وسائل الإعلام ليس بالأخبار و الأنشطة, بل بمواد إعلامية متكاملة تساهم بالتوعية و بإثارة قضايا تهم ذوي الاعاقه في مجتمعاتنا.
قالت جيني موريس في البرنامج الوثائقي ” الكرامة في مواجهة التمييز” الذي عرضته القناة الرابعة في بريطانيا عام 1991 ” إننا جميعاً من ذوي الاعاقه نتعرض لكثير من الظلم بسبب إنكار حقيقتنا، وإذا لم نعكس حقيقة واقعنا من خلال الثقافة العامة كيف لنا أن نطالب بحقوقنا أو نثبتها؟ وإذا اختار الشخص غير ذوي الاعاقه أن يعترف بإعاقاتنا على طريقته أو اعترف بأنواع معينة منها فقط فكيف يستطيع أن يتفهم نظرتنا إلى أجسادنا؟ وإذا لم نظهر في الأفلام كبشر يحتاجون كغيرهم للحب، والعاطفة والصداقة وحق المعيشة بشكل كريم يليق بالبشر كيف يستطيع غير ذوي الاعاقه أن يمنح لحياتنا أي معنى؟”.

الأسلوب الثاني: التشويه في عرض صورة الأشخاص ذوي الاعاقه

و نقصد بالتشويه هنا هو أن يتم عرض صورة غير حقيقية أو مشوهة أو ناقصة عن شخصية ذوي الاعاقه بحيث تبدو هذه الصورة التي تقدمها وسائل الإعلام (و تحديداً التلفزيون و السينما) هي المرجعية في تعامل الناس الأصحاء في المجتمع مع ذوي الاعاقه في المجتمع.
إن الأعمال الدرامية العربية و الخليجية (تمثيليات, مسلسلات, مسرحيات, أفلام) في أغلبها تغذي أذهان المشاهدين و تزودهم بصورة نمطية سلبية مشوهة عن الشخص ذوي الاعاقه بحيث يبدو ذوي الاعاقه في نهاية المطاف شخصاً سلبياً لا يقدم شيئاً لنفسه أو أسرته أو مجتمعه, بل هو عالة على غيره و لا يستطيع فعل شيء لوحده. بل بعضهم قد يتخذ الشخص المعاق مادة للتندر و الاستهزاء أو لاستجداء الضحك.
لذلك للأسف، وسائل الإعلام لها تأثير سلبي في نقل صورة شديدي الإعاقة، فهي تقدمهم للمجتمع بصورة غير حقيقية، تتمثل في أشخاص يصرخون معظم الأوقات، وتبين أنهم ذوو طاقة زائدة يعمدون لإيذاء أنفسهم والآخرين.
فإذا قيمنا دور وسائل الإعلام فى خدمة ذوي الاعاقه نجدها تركز على فئات مجتمعية معينة، وتغفل وتتغافل، وتهمش فئات أخرى، وهذا لون من الضعف وقلة التوازن فى تناول هذه الوسائل، ومن هذه الطوائف المهشمة فئات ذوي الاعاقه ، فلا نكاد نراهم فى وسائل الإعلام. وإن حدث فإنهم يظهرون بصورة مشوهة وسلبية تقزز المشاهد، وتدفعه إلى عدم الاكتراث بهم، ومثال ذلك ما تم عرضه فى فيلم يقدم قصة رجل كفيف غير مستقيم الأخلاق، وغير منضبط التصرفات، ويمارس الفاحشة، ويقترف ما يتناقض مع ما يتوهم البعض أنه عليه من دين أو علم شرعي.
لذلك يجب علي كتاب السيناريو و الفنانين و شركات الإنتاج الدرامي أن تهتم بشريحة ذوي الاعاقه و قضاياهم لأنها مغيبة أو تكاد عن الأعمال الدراما العربية و الخليجية, و إذا ما ظهرت شخصية ذوي الاعاقه فإنها تكون في الغالب شخصية سلبية غير منتجة.
يجب أن يكون للفن والدراما دور أكبر في تناول هذه القضايا الشائكة، فقد تناولت الدراما الخليجية مشاكل الشباب والمخدرات وعقوق الوالدين والتفكك الأسري والمشاكل العاطفية بشكل كبير، إلا أنه لم يتم إلى اليوم تنفيذ عمل درامي يتناول مشاكل ذوي الاعاقه ، بحيث يكون بطل العمل من ذوي الاعاقه استطاع أن يتغلب على إعاقته، والسبب في هذا التأخير الرقابة ومدى فهمها لهذا النوع من الأعمال.
ويلاحظ ان فكر العديد من الكتاب والمؤلفين يفوق فكر الرقيب، وهذا يمثل خطراً في حد ذاته، مما أدى إلى وجود 80% من الأعمال الدرامية التجارية التي لا تقدم هموم المجتمع بالشكل الحقيقي.
بل “غالباً ما كانت الطريقة التي عرضت من خلالها السينما العالمية شخصية ذوي الاعاقه مشوهة. منذ عروض السينما الصامتة وحتى هذه اللحظة والسينما تعرض ذوي الاعاقه على أنهم إما موضوعاً للسخرية، أو محوراً للشر، أو مثاراً للشفقة ونادراً ما تجرأ أحد في هذا المجال لخوض تجربة إنتاج فيلم كوميدي أو تراجيدي هادف متوازن يلعب فيه ذوي الاعاقه دوراً لا يثير الحساسية لأن معظم الناس أصبحوا يتوقعون أن شخصية ذوي الاعاقه كئيبة وجادة، غاضبة، وفاقدة للمقدرة بشكل مطلق.
لذلك نطالب كل أجهزة الإعلام فى الدولة أن تقدم الصورة الإيجابية لذوي الاعاقه، باعتبارهم جزءًا لا يتجزأ من كيان المجتمع، فهؤلاء الناس يمكن أن يكونوا عباقرة ومبدعين فى مجالات عديدة من خلال بعض النماذج التي ذكرت عبر التاريخ متل ادسون بيتهوفن انشتاين طه حسين ابو العلاء المعري
وكثير من الأفلام و مسلسلات التي اظهرت صورة ذوي الاعاقه مشوهه بصورة أو بأخرى, إلا أنه يستثني من ذلك وجود بعض الأفلام الإيجابية التي أظهرت شخصية ذوي الاعاقه بشكل إيجابي, مثلاً فيلم أربعة أعراس وجنازة ( 1994 مايك نيويل، بريطانيا) هو كوميديا لعب فيها شخصيه ذوي الاعاقه دوراً رئيسياً كشخصية متوازنة وليست مجرد نموذج، كذلك في فيلم الأخ الأطرش لهيو غرانت، و فيلم المجيء إلى المنزل ( 1978 هال آشبي، أمريكا) والذي تم تصويره من مقعد متحرك لتشرح وجهة نظر إنسان من ذوي الاعاقه يجلس على كرسي متحرك، إضافة إلى فيلم فريدا ( 2002 جولي تيمور ، أمريكي/ كندي) حيث الشخصية الرئيسية هي فنانة تعيش حياتها وتعبّر عن نفسها رغم إعاقتها حيث كانت الإعاقة جزء من شخصيتها ومن تعبيرها الفني، ويمكن القول أن الفيلم العربي قاهر الظلام الذي كان شبه سيرة ذاتية عن حياة طه حسين عميد الأدب العربي الذي مثل دوره محمود ياسين كان ضمن الأفلام الجيدة التي عرضت الشخصية بشكل متوازن وقريبة من الواقع.

رغم هذه النماذج الجيدة إلا أن الغالبية العظمى من الأفلام التي قدمت شخصية ذوي الاعاقه استخدمت شخصياتهم بكل بساطة من أجل حبكة الفيلم أي لخدمة المحتوى فقط، فكان وجود شخصية ذوي الاعاقه من أجل تفسير موقف، أو تحليل شخصية، أو تبرير فعل، أو استثارة عاطفة وغالباً ما كان تأثيرها مؤكداً ومقوياً لنماذج سلبية. فكانت النتائج مدمرة بشكل واسع النطاق ولا يمكن تخيل مقدار الضرر الذي أحدثته في حياة ذوي الاعاقه

و هناك بعض الأفلام العربية التي تناولت ذوي الاعاقه بشكل أو بآخر, لكنها اتفقت على عرض شخصية ذوي الاعاقه بصور سلبية نمطية مكررة:
· فيلم الصرخة الذي لعب بطولته نور الشريف ومعالي زايد: حيث عرض شخصية الأصم الأبكم الذي نقم على المجتمع الذي لم ينصفه إلى درجة تحويل نقمته عليهم بتعريضهم إلى ما يجعلهم مثله تماماً يعانون نفس الإعاقة حيث جمع كل من أساؤوا إليه وإلى زملاءه في الإعاقة في غرفة فحص السمع المعزولة تماماً وعرضهم إلى تيار ذبذبات صوتية لا تحتمل مما أفقدهم حاسة السمع.
· فيلم الخرساء الذي مثلته سميرة أحمد: حيث نلاحظ استجداء العاطفة تجاه تلك المرأة من ذوي الاعاقه التي يتم اغتصابها حيث لم تستطع الدفاع عن نفسها أو الإفصاح عن شخصية الجاني.
· فيلم الأسطى حسن إخراج صلاح أبو سيف بطولة فريد شوقي وحسين رياض: حيث لعب حسين رياض دور الرجل المشلول الذي يتعاطف معه المشاهد لأنه تعرض لخيانة زوجته وهذا التعاطف يبدو مؤثراً رغم قيامه بقتل زوجته في النهاية حيث تستطيع أن تلمس وتتفهم كمشاهد شعوره بالقهر.
· فيلم الأخرس من بطولة محمود ياسين الذي مثل دور مهندس تعرض صديقه لحادث أليم ففقد حاسة النطق ولخدمة حبكة الفيلم يقع في حب امرأة ويتزوجها وأثناء ولادة زوجته لا يستطيع استخدام الهاتف أو الاستغاثة بأحد نتيجة إعاقته مما يجعل المشاهد يتعاطف مع إحباطه الشديد.
· فيلم رد قلبي بطولة حسين رياض الذي لعب دور الأخرس الذي تعرض للشلل نتيجة موقف صدمه أثناء ذهابه لخطبة ابنة البرنس لابنه حيث يتعرض هناك للمهانة ويتهم بالجنون فتؤدي الصدمة بشلله.
· فيلم الحرام من إخراج بركات وبطولة فاتن حمامه حيث الشخصية المعاقة هي شخصية دميان عبيط القرية الشاب المتخلف الذي ” فيه شيء لله” حيث تم الربط بين البلاهة أو التخلف العقلي والقدرات الروحية حيث يصبح الأبله هو الرجل المبروك الذي ” فيه شيء لله” على حد تعبيرهم.
· فيلم توت توت بطولة نبيلة عبيد وإخراج عاطف سالم ربط بين تخلف البنت العقلي والاعتداء عليها وضعف شخصيتها وسلبيتها.
إننا عندما نذكر هذه الأمثلة و غيرها من المسلسلات العربية و الخليجية التي ظهرت فيها شخصية ذوي الاعاقه بدور البطولة أو كدور مساعد, نريد أن نوضح أن المشاهد العادي يشاهد هذه الأفلام فإنه يشاهدها ليس كترفيه فقط, بل إنها تؤثر في المنظومة الفكرية و تؤثر كذلك في آرائه و في نظرته لفئات ذوي الاعاقه بحيث كما ذكرنا عند حديثنا عن نظرية الغرس الثقافي تبدأ تتكون لديه قناعات بأن هذا هو ذوي الاعاقه في الوقاع الحقيقي, و لذا يبدأ يتعامل معه على هذا الأساس.
و هذه القناعات هي ضرورية للسلوك, و لذا نحن نتصرف على أساس معتقداتنا و قيمنا التي نؤمن بها. ” كثيراً ما نرى أن الصور المشوهة التي تصف حياة ذوي الاعاقه يتم اجترارها مراراً وتكراراً ويعاد تدويرها من خلال الإعلام وبذلك تعزز وجود توجه سلبي يؤدي في النهاية إلى المزيد من التمييز ضد ذوي الاعاقه . مثال على ذلك الفيلم الذي أنتجته والت ديزني أحدب نوتردام، بعد ستة أشهر من عرضه في بريطانيا تقدم ذوي الاعاقه بشكوى تفيد بأن كلمة أحدب التي كانت قد اختفت من قاموس المفردات المستخدمة منذ زمن عادت لتطفو على السطح على شكل إهانة حيث استخدمها الناس للإشارة إليهم بهذه الصفة المؤلمة. وتقدمت جمعية المرضى بداء السكوليوسيز البريطانية إلى وزير ذوي الاعاقه نيكولاس سكوت متذمرة من أنه منذ عرض الفيلم تعرض أكثر من مائة من ذوي الاعاقه مصاب بداء السكوليوسيز للاعتداء بينما خلال فترة الستة شهور السابقة لم يتم التبليغ ولا عن حالة واحدة.”

في الختام, إن وسائل الإعلام بشكل عام تعرض صورة سلبية و مشوهة لشخصية الإنسان ذوي الاعاقه , مما يؤثر (عبير التراكمات و التكرار) على نظرة أفراد المجتمع لفئة ذوي الاعاقه , الأمر يؤثر سلباً على كيفية تعامل أفراد المجتمع مع فئة المعاقين.

الأسلوب الثالث: إعلام المناسبات

و نقصد بأسلوب “إعلام المناسبات” هو أن تتعامل وسائل الإعلام في المجتمع مع قضايا الإعاقة و الأشخاص ذوي الاعاقه بحسب المناسبات التي يتم عقدها أو الأنشطة التي يقوم بها الجمعيات ذات الصلة بذوي الاعاقه و التي تحدث بشكل متفرق على مدار العام. فمثلاً, نلاحظ أن وسائل الإعلام تهتم بالأشخاص ذوي الاعاقه فقط عندما يأتي يوم الإعاقة العالمي, أو عندما يتم عقد ملتقى لذوي الاعاقه أو عند وجود دورة الأولمبياد لذوي الاعاقه. كما نلاحظ أن دور وسائل الإعلام يصبح مجرد ناقل للخبر لكنه لا يهتم بالتوعية أو التوجيه أو تغيير القيم و القناعات لدى أفراد المجتمع.
إن أسلوب المناسبات هو جهد لا بأس به إذ أنه يهتم بالتغطية الخبرية لأنشطة و فعاليات الأشخاص ذوي الاعاقه و الجمعيات و المؤسسات التي يتبعونها, و لكنه جهد قاصر له تأثير إيجابي على المدى القريب حيث تتفاعل المؤسسات الإعلامية مع ذوي الاعاقه فقط في مناسبات دولية أو إقليمية أو محلية, و كناقل للخبر و مغطي له من الناحية الخبرية و الإعلامية كحدث إخباري بحت و ليس كثقافة إيجابية ينبغي تكريسها في المجتمع.
إن وسائل الإعلام لكي تقوم بدورها الطبيعي و المنطقي مع فئة ذوي الاعاقه , ينبغي عليها أن تتعامل مع قضية الإعاقة كقضية اجتماعية متشابكة و معقدة و ليس كمشكلة طبية صرفة.
إننا بحاجة من المسؤولين عن قضايا الإعاقة ان يهتمو بحضور إعلامي مناسب و مستمر و متواصل في وسائل الإعلام بحيث يكون بشكل دوري و كثيف حتى نستطيع أن نجعل قضايا الأشخاص ذوي الاعاقه حاضرة و بقوة في توجهات الرأي العام و لدى صناع القرار في المجتمع, و هذا لا يتأتى إلا بحضور كثيف و مستمر و شامل في كل وسائل الإعلام في المجتمع, و ليس فقط عبر أسلوب “إعلام المناسبات”.

الدور المأمول لوسائل الإعلام في تعاملها مع قضايا الأشخاص ذوي الاعاقه:

وسوف نتحدث عن الدور المأمول لوسائل الإعلام لكي تنهض و تقوم بدورها بفعالية حين تتناول قضايا الإعاقة و ذوي الاعاقه, و سيتم ذكر عدة أدوار لوسائل الإعلام يمكنها القيام بها لكي تتواصل وسائل الإعلام مع الأشخاص ذوي الاعاقه في المجتمع:

1. قيام الجمعيات ذات الصلة بذوي الاعاقه بدورها في التوعية المجتمعية:
أن دور جمعيات النفع العام ذات الصلة بذوي الاعاقه يجب أن يتجاوز مجرد القيام بأنشطة متنوعة للأشخاص ذوي الاعاقه أو بنشر بعض الأخبار في وسائل الإعلام (مع أهمية هذه الجهود), بل يجب أن تفكر الجمعيات ذات الصلة بذوي الاعاقه بالقيام دورها في التوعية المجتمعية لكل أفراد المجتمع و ذلك بالتعاون مع المؤسسات الحكومية و الخاصة و بالتعاون كذلك مع وسائل الإعلام.
وانا كمنتخصصه كمستشار وخبير بشؤون الاشخاص ذوي الاعاقه ااكد من وجود فراغ وتغييب لمشاكل ذوي الاعاقه بشكل عام في الدراما الخليجية والعربيه، ويعود ذلك لاسباب اهمها:
١- عدم وجود خبرة بسبب بعدنا عن هذه الفئة التي لابد من أن نكون على علم ومعرفة بحالاتهم واحتياجاتهم والمشاكل التي يواجهونها في المجتمع.
٢-إننا بحاجة إلى تحرك رسمي و شعبي كبير بحيث يتناول مناهج التعليم و الحركة الثقافية و الاجتماعية في البلد
٣- القيام بسلسلة حملات إعلامية و مجتمعية طويلة الأمد أو على مراحل, تستهدف تغيير القناعات و القيم و الأفكار بالنسبة للإعاقة أو ذوي الاعاقه. و يُعرف هذا النوع من الحملات في الأدبيات الإعلامية بحملات التغيير الاجتماعي Social Change و التسويق الاجتماعي Social Marketing و حملات الإقناع و التأثير. و كمثال على تلك الحملات,
وسوف نشرح النوع الأول التغيير الإجتماعي Social Change فقط للتدليل على أهمية القيام بتوعية مجتمعية شاملة لمفهوم الاعاقه وذوي الاعاقه.

مفهوم حملة التغيير الإجتماعي

“الحملة الاجتماعية عي عبارة عن جهد منظم يهدف إلى إقناع مجموعة مستهدفة بقبول أو تعديل أو الابتعاد عن بعض الأفكار و السلوك أو الاتجاهات, و تقوم بهذا الجهد جماعة من الجماعات الموجودة في المجتمع أو الجهة التي ترغب في إحداث التغيير. و غالباً ما تهدف هذه الجهة أو الجماعة إلى تغيير سلوك الجمهور المستهدف”.
و استخدام حملات التغيير الاجتماعي أمر ليس جديداً, بل يتم استخدامه في كل المجتمعات و ذلك بهدف نشر الأفكار و القيم و الاتجاهات التي من شأنها أن تنفع الصالح العام (احترام القانون, حب العمل, الحفاظ على البيئة, التطعيم…الخ), كما تهدف بالمقابل على القضاء أو الحد من بعض الظواهر السلبية في المجتمع و ذلك لتقليل الضرر على المجموع العام (محاربة التدخين, مكافحة ظاهرة الإدمان, مكافحة ظاهرة التدخين…الخ).

أنواع حملات التغيير الاجتماعي:

بسبب تنوع القضايا الاجتماعية و تعقدها, و بسبب تغير أهداف حملات التغيير الاجتماعي من قضية لأخرى, يتضح أن هناك أربع أنواع من الحملات التغيير الاجتماعي, نذكرها باختصار:
1. التغيير المعرفي Cognitive Change.
و هي من أسهل أنواع الحملات, حيث تهدف هذا النوع من الحملات إلى إمداد و تزويد أفراد المجتمع أو الجمهور المستهدف بمعلومات و حقائق حول قضية معينة تؤدي إلى زيادة وعيهم و إدراكهم لهذه القضية, و بالتالي يحدث التغيير المعرفي لدى الجمهور المستهدف حول هذه القضية محل الاهتمام (مثال زيادة وعي الجمهور بأهمية التبرع بالدم).
و يحدث أحياناً ألا تصل المعلومات إلى الجمهور المستهدف أو تشبع حاجته المعرفية, أو قد يكون هناك سوء اختيار للوسيلة الإعلامية المناسبة.
2. التغيير في الفعل (العمل) Change in Action
و يهدف هذا النوع إلى إقناع أكبر عدد ممكن من الأفراد للقيام بعمل معين خلال وقت محدد (مثال, أن يقوم الفرد بالذهاب فعلاً إلى بنك الدم للتبرع). و هنا يبدو الأمر أصعب من النوع السابق لأنه يستلزم قيام الجمهور بفعل شيء ما, و هذا أن الجمهور سيبذل جهداً أو وقتاً أو مالاً, مما لا يشجعه البعض على القيام بالفعل المستهدف, و لذا يجب أن ينتبه القائمون على مثل هذه الحملات بضرورة توفير الوسائل المعينة و المشجعة للقيام بالفعل المرغوب.
3. التغيير السلوكي Behavioral Change
و هذا النوع من الحملات يهدف إلى تشجيع الأفراد على تغيير بعض أنماط السلوك (مثال, الامتناع عن التدخين). و هذا النوع أصعب مما سبقه لأنه يستلزم تغيير بعض السلوكيات و العادات التي كان يقوم بها الأفراد منذ مدة طويلة, و لذا قد لا تكفي وسائل الإعلام الجماهيرية هنا في إحداث الأثر المطلوب, بل لا بد من وسائل أخرى مساعدة كالاتصال الشخصي و المحاضرات و الندوات المتخصصة و المطبوعات.
4. التغيير في القيم Change in Values
و هي الحملات التي ترمي إلى تغيير القيم و المعتقدات, و هذه من أصعب الأنواع على الإطلاق لأنه يتعرض إلى المنظومة الفكرية و الثقافية لدى الجمهور المستهدف, و بالتالي يستلزم جهداً إضافياً, قد يطال حتى التشريعات و القوانين التي ترغم الأفراد على أداء سلوك معين, يعين بالتالي على تغيير القيمة المستهدفة. مثال, هناك قيمة احترام آداب المرور و القيادة, و لكن قد يكون من الصعب جعل الناس يحترمون القانون كقيمة دفعة واحدة, و لذا نقوم بسن قوانين و تشريعات كقانون حزام الأمان و غيره من القوانين, و عندما يتغير السلوك يصبح من السهل نوعاً ما تغيير القيمة.

2. تخصيص وسائل الإعلام مساحة زمانية و مكانية بشكل دوري لقضايا الاعاقه :
مما لا شك فيه أن حجم و مدة التغطية الإعلامية التي تحصل عليها قضية ما, سوف يؤثر على مدى اهتمام الجمهور بها, و هذا ما أكدناه عند حديثنا حول تأثير الإعلام بالمجتمع, و بالتحديد عند تناولنا لنظرية “ترتيب الأوليات- تحديد الأجندة”.
لذلك ندعو كل صحيفة إلي تبني قضية الاعاقه كقضية إنسانية رئيسية والي إدراج قضايا الإعاقة علي قائمة أولويات النشر والتثقيف الصحفي لتسهم في تغيير أنماط تفكير وسلوك مجتمع عربي ما زال يعاني كثيرا من مشكلة الخجل الاجتماعي تجاه ذوي الاعاقه مما عطل الإفصاح عنه وحرمه الكثير من الفرص التي توفرها الدولة ومنظمات المجتمع المدني.
و عليه نؤكد أنه ينبغي لوسائل الإعلام أن تعطي قضايا الأشخاص ذوي الاعاقه المساحة الزمنية و المكانية المناسبة بحيث تكون التغطية إخبارية (عرض الأخبار عن ذوي الاعاقه و ما يهمهم من أنشطة و فعاليات مجتمعية), و تكون التغطية توعوية (عرض برامج حوارية و نقاشية في وسائل الإعلام حول الإعاقة و ذوي الاعاقه لكي تسهم بتوعية المجتمع بكل أفراده و مؤسساته بقضايا الأشخاص ذوي الاعاقه), و تكون التغطية صحيحة ( المصدقيه وليس اخبار تشويقيه و يجب ان تكون الاخبار كاملة (من خلال عرض شخصيات من ذوي الاعاقه في المسلسلات و الأعمال الدرامية بشكل إيجابي و بناء و ليس بشكل سلبي و منفر كما هو حاصل الآن).

3. التأهيل الإعلامي لذوي الاعاقه المهتمين بالمجال الإعلامي:
و نقصد بالتأهيل الإعلامي لذوي الاعاقه هو أن يشارك الأشخاص ذوي الاعاقه في صياغة الرسائل الإعلامية التي تبثها وسائل الإعلام, بدلاً من الاعتماد على وسائل الإعلام نفسها لكي تقوم بالتغطية الإعلامية لقضايا ذوي الاعاقه. ينبغي أن ينتقل الأشخاص ذوي الاعاقه من موقع المستقبل- المتلقي للرسائل الإعلامية كجمهور إلى موقع المرسل الإعلامي لأنهم الأقدر على فهم معاناة ذوي الاعاقه و الأقدر كذلك على طرح القضايا التي تهمهم و تسليط الضوء الإعلامي على ما كل ما يحتاجه الأشخاص ذوي الاعاقه و الجمعيات ذات الصلة بذوي الاعاقه.
وهذا ما شاهدنا بمسرحيه عرضتها دوله قطر بالمهرجان المسرحي السادس لدول الخليج بمسرحيه من الكرسي للقمة للمخرج ابراهيم لاري وجعل ابطال المسرحيه من ذوي الاعاقه انفسهم يعبرون عندقضيتهم
لذلك من الضروري اكتشاف موهبه التمثيل او الكتابه او الصحافه عند ذوي الاعاقه و وعلي الصحافة العربيه أن تجتذب ذوي الاعاقه إليها من خلال مساهماتهم في العمل الصحفي سواء بتخصيص صفحات أسبوعية أو ملاحق يكون ذوي الاعاقه هم المحور الأساسي في المادة التحريرية لأنهم هم الأقدر علي التغيير عن أنفسهم وواقعهم بكل صدق.
بإمكان الأشخاص ذوي الاعاقه أن يصبحوا محررين في الصحف اليومية و المجلات الأسبوعية, كما أن بإمكانهم أن يصبحوا معدي أو مقدمي برامج إذاعية و تلفزيونية, و بالتالي يستطيعوا أن يتحكموا بصورة أو بأخرى في تشكيل الرسالة الإعلامية التي تناقش قضاياهم و موضوعاتهم.
و يحصل التأهيل إلى انتقاء بعض الأشخاص من ذوي الاعاقه ممن لديهم حب العمل الإعلامي و القدرة عليه, و يتم تزويدهم بالمعرفة و المهارات اللازمة للعمل الحرفي لوسائل الإعلام من خلال انخراطهم في دورات تقيمها الجمعيات ذات الصلة بذوي الاعاقه أو من خلال دمجهم في وسائل الإعلام المحلية (صحافة, إذاعة , تلفزيون) لكي يتم صقل مواهبهم في مواقع حقيقية حتى تقوى مهاراتهم الإعلامية.

4- التنويع في الشكل و المضمون للرسائل الإعلامية المتعلقة بالأشخاص ذوي الاعاقه:
في حالة الرغبة في التوسع الشامل لمخاطبة كافة أفراد المجتمع يكون من المناسب أن يتم توجيه الرسالة بأساليب متعددة وفي أشكال مختلفة، ذلك أن الجمهور ذو اتجـاهات وميول مختلفة لا تمكنهم من استقبال الرسائل بمستوىً متشابه من خلال قناة أو مادة ذات شكل واحد، أي وبمعنى أكثر تفصيلاً، قد يصبح من الخطأ أن نعتقد بأن الحديث في ندوة تلفزيونية من خلال الإلقاء المباشر قادر على إحداث تأثير كافي في الجمهور للاهتمام بالأشخاص ذوي الاعاقه.
و لا شك أن وسائل الإعلام ( و خاصة الإذاعة و التلفزيون) تستطيع أن تساهم في توعية المجتمع بقضايا الأشخاص ذوي الاعاقه و ذلك بمخاطبة الجمهور المتلقي من خلال رسائل إعلامية مهدفة و موجهة. و لا شك أن الخطاب الإعلامي لكي يحقق أهداف المتوخاة منه, عليه أن تكون الرسالة مصاغة بشكل و معدة بشكل جيد و منتجة بشكل جيد كذلك.
و تستخدم الإذاعة و التلفزيون قوالب متنوعة و متعددة يتم من خلالها صياغة الرسالة الإعلامية الموجهة نحو الجمهور, مثل الحديث المباشر, البرنامج الحواري, الأخبار و التعليقات و التحليلات, البرامج الوثائقية, المسلسلات و الأفلام, و غيرها من الأشكال الإعلامية المتعارف عليها في الصناعة الإعلامية.

و يرى بعض الباحثين أن لوسائل الاتصال تأثيرات قوية إذا ما تم استخدام هذه الوسائل حسب المبادئ الأساسية للاتصال:

1. إعادة الرسالة الإعلامية على مدى زمني معين (تكرار المضمون و القالب أو الشكل).
2. إعادة مضمون الرسالة الإعلامية عبر وضعها في قوالب متنوعة (تكرار المضمون عبر أشكال و قوالب متعددة).
3. التركيز على جمهور معين تستهدفه الرسالة الإعلامية.
4. تحديد أهداف الإتصال بعناية لكي يقوم القائم بالاتصال بإنتاج رسائل منسجمة مع هذه الأهداف.
و لكي تقوم الإذاعة و التلفزيون بالدور المنوط بهما, فينبغي تحقيق المعادلة الصعبة في الإنتاج الإعلامي و هي :
اعلامي مثقف بقضايا ذوي الاعاقه مطلع علي اتفاقيه الاشخاص ذوي الاعاقه + اعلامي لدي حب بالعمل مع قضايا ذوي الاعاقه+ المضمون الهادف + العرض الجذاب المبهر + تحديد الفئه المستهدفه .
عيوب الاعلام :
ما نلاحظه أن الإعلام يقوم باستخدام قوالب فنية جامدة و يتم إخراجه بطريقة جامدة أيضاً مما يضعف الرسالة الإعلامية, و يحد من انتشارها و تأثيرها.
فمثلاً, يتم توظيف قالب البرامج الحوارية في التوعية بقضايا الأشخاص ذوي الاعاقه, و هذا شيء لا بأس به, و لكن الذي يحدث حالياً أنك تجد بعض البرامج حوارية تضم ضيوف متخصصين في الإعاقة و في التربية و علم النفس يجتمعون حول مائدة مستديرة, و يبدأ مقدم البرنامج بطرح أسئلته المتفق عليها مسبقا بطريقة آلية, و يجيب الحضور عليها بطريقة آلية, فيصبح كأنه برنامج حديث مباشر و ليس برنامج حواري يمكن إخراجه بطريقة أفضل.
الأسلوب المباشر أو الجامد لا يمكن أن يؤثر بالجمهور المتلقي, خصوصاً الشباب منهم, و الذي تجذبه عناصر الإبهار في الصورة التلفزيونية.
ما نحتاجه إليه الآن :
-هو أن ننظر إلى العملية الإعلامية على أنها إبداع و فن, و بالتالي تحتاج إلى جهود خاصة و متميزة في إعداد و صياغة الرسائل الإعلامية لكي تحقق الأثر المطلوب منها.
-نحن مطالبون الآن أكثر من أي وقت مضى على توظيف فنون الإعداد و الإخراج الإذاعي و التلفزيوني بالشكل الصحيح و المحترف لكي نجعل الخطاب الإعلامي أكثر تأثيراً و جاذبية و قوة! فحتى الإذاعة يمكن أن تشارك بالكثير لو أطلقنا خيالنا في إنتاج البرامج الإذاعية (الدرامية منها أو غير ذلك) بحيث نتخلص من أسلوب المعتاد في إنتاج البرامج الإذاعية حيث يتحدث مذيع ثم فاصل موسيقي ثم عودة إلى المذيع و هكذا دواليك!
-بإمكاننا أن ننتج مسلسلاً إذاعياً باللهجة المحلية و نعالج من خلاله الكثير من القضايا الخاصة بالأشخاص ذوي الاعاقه و نساهم بتوعية بقية أفراد المجتمع بطريقة غير مباشرة و عفوية و ليس فيها تكلف أو صنع, وهو ما يسمى بالرسالة الخفية Hidden Message, و لكن ما يحدث حالياً هو العمل بروح الهواة لا المحترفين, و هذا ما يجعل خطابنا الإعلامي غير مؤثر.
-الفلاشات الإذاعية و التلفزيونية السريعة من القوالب التي يمكن أن يكون لها دورها في التوعية بقضايا الأشخاص ذوي الاعاقه لأنه يتم عرضها بين البرامج الإذاعية و التلفزيونية المعتادة, كما أنها لا تستهلك وقتاً طويلة من البث اليومي. بالإضافة إلى أن تلك الفلاشات تحمل المعاني التي نريد توصيلها, و لكن يجب أن تكون هذه الفلاشات غير تقليدية, و أن يكون الخطاب غير مباشر, و أني تم اختيار وقت البث بعناية بحيث نضمن تواجد الشريحة التي نستهدفها.

5- الاهتمام بالدراما لأهميتها و تأثيرها
و هناك قوالب إعلامية مؤثرة بشكل كبير على الشباب و المراهقين, كما بينت الدراسات العلمية في هذا المجال, منها المسلسلات و الأفلام. و لا شك أن الدراما ( المسلسلات و الأفلام) هي من أهم و أخطر القوالب الإعلامية لأن لها جاذبية و انتشاراً بين المشاهدين و المستمعين كما بينت الدراسات الإعلامية حول عادات المشاهدة و الاستماع لدى المشاهدين العرب.
و لعل من أهم مميزات الدراما أنها قصصاً و أشخاصاً يمكن للمشاهد أن يشعر معهم بالانتماء و القرب لأنها قصص درامية تستخدم اللهجة المحلية و تستند على ذات الثقافة التي يحملها المشاهد و المستمع, مما يوفر لها بيئة مناسبة لكي تربط المشاهد و المستمع معها على مدى عدة حلقات أو من خلال فيلم سينمائي.
فالأشكال الدرامية التي يقدمها الراديو و التلفزيون مثل التمثيليات و المسلسلات و الأفلام و المسرحيات قد تقوم بدور هام في عملية تكوين السلوك الفردي و الاجتماعي في المجتمع الذي أنتجت فيه, أي أنها تسعى إلى ترسيخ أو إلغاء أو تعديل بعض القيم و المفاهيم الخاصة في المجتمع.
و وبذلك يلاحظ وجود قصوراً كبيراً في جانب الدرامه العربيه بحيث نشاهد عدداً من المسلسلات و الأفلام العربية التي فشلت في مناقشة تلك القضية الحساسة و عرضها ضمن سياقها الثقافي و الاجتماعي في المجتمعات العربية.
و كتابة نص درامي متميز مسألة ليست متاحة لكل شخص لأن كتابة القصة الدرامية عملية إبداعية و فكرية و فنية معقدة, تحتاج إلى تحضير مسبق و إعداد متكامل حتى يخرج إلينا عمل يستطيع أن يؤثر في الجمهور المتلقي.
وبذلك أظهرت الدراسات و التجارب العديدة التي أجريت في ميدان الاتصال أن الراديو و التلفزيون لهما تأثير واضح على أفكار و اتجاهات و سلوك الجماهير إذا ما استخدمتا استخداماً رشيداً. و لا يقتصر دور هذه الوسائل على مجرد عرض الآراء و الأفكار بل تعداه إلى التأثير إلى التأثير في الاتجاهات بتدعيمها أو تبديلها. و هذا بطبيعة الحال أمر يخص طبيعة المضمون من ناحية صياغته و أسلوب إعداده و تقديمه, و إلى أي حد يعتمد مثل هذا المضمون على منطق و سيكولوجية الاستدراج بالإقناع, و لابد من الإشارة هنا إلى أن الاقتناع بالمضمون أمر أساسي, و عليه يتوقف تغيير الاتجاهات, و من هذين الجانبين معا يتكون الدافع الأساسي لتغيير السلوك.
و من خلال الأعمال الدرامية الأخيرة التي ظهرت على الشاشة العربية, نستطيع أن نجمل عدة ملاحظات على المسلسلات و الأفلام العربية التي تناولت الإعاقة و الأشخاص ذوي الاعاقه,
ملاحظات علي المسلسلات والافلام العربيه التي تعرض قضايا ذوي الاعاقه:
و نرمي من خلال إيراد هذه الملاحظات هو لكي نحاول صياغة عمل درامي (إذاعي أو تلفزيوني) يستطيع أن يتناول الإعاقة و ذوي الاعاقه في المجتمعات العربية تناولاً يخاطب العقل و القلب, و يحاول أن يكون موضوعياً في خطابه الإعلامي:
1. التسطيح و أحياناً السذاجة و البساطة في سيناريو العمل الدرامي الذي يناقش موضوع الأشخاص ذوي الاعاقه. فمثلاً, لا زال أغلب كتاب السيناريو الذي يتناولن ذوي الاعاقه في أعمالهم الدرامية, لا زالوا يرون أن ذوي الاعاقه( إعاقة عقلية أو ذهنية) بأنها لها ارتباط بالبلاهة و الغباء!
2. عدم نضج القصة الدرامية, بمعنى أن الخط الدرامي للقصة قد تم كتابته بصورة مستعجلة و سريعة, و لا تأخذ مشكلة الأشخاص ذوي الاعاقه بأبعادها الكاملة أو تعطيها التحليل الصحيح للأحداث, كأنما الهدف هو في إنتاج عمل درامي دون النظر إلى مستواه!
3. أسلوب الوعظ و النصح و الحديث المباشر في القصص الدرامية مما أفقدها الجاذبية المطلوبة لإحداث التأثير المطلوب.
4. النمطية المفرطة في عرض الرجل ذوي الاعاقه في المسلسلات و الأفلام العربية التي تصوره على أنه شخص سلبي و منعزل و عاجز و ينظر للحياة بسوداوية أو أنه يتصف بالبلاهة و الغباء, و بالتالي يمكن استغلاله.
5. عدم عرض نموذج ذوي الاعاقه الإيجابي الذي يفيد نفسه و أسرته و مجتمعه و ينظر للحياة بتفاؤل و له انجازات شخصية أو رياضية أو علمية أو اقتصادية أو سياسية, الخ.
6. غياب الشعور بالمسؤولية الأخلاقية و المسؤولية الاجتماعية و المسؤولية الوطنية لدى بعض كتاب و منتجي المسلسلات و الأفلام العربية التي تناولت ظاهرة الإعاقة و الأشخاص ذوي الاعاقه.

مقترحات ممكن ان يستفاد من الاعلام بالاعلان عن الامور التاليه :

على الإعلام التقليدي المرئي والمقروء والمسموع والحديث من السوشيال ميديا :
١- أن ينقل صورة حقيقة وواضحة عن الأشخاص ذوي الإعاقة
٢- إبراز مواهبهم وقدراتهم لتكون مثالاً يُحتذى به
٣-المساهمة في تغيير النظرة المُعتمة عن ذوي الإعاقة
٤-إشراك ذوي الإعاقة في العمل الإعلامي إعداداً وتنفيذاً لأنهم خير من يُعبِّر عن قضاياهم
٥-تدريب الكوادر الإعلامية على كيفية تناول قضايا ذوي الإعاقة المختلفة
٦-أن تكون البرامج التلفزيونية مترجمة كتابياً وبلغة الإشارة.
٧-والأبرز في تلك الاقتراحات لربما هو خلق شراكات بين:
أ- بين وسائل الإعلام والجمعيات بإيجاد استراتيجية إعلامية وطنية تعزّز دور المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام المختلفة وحثها على تزويد المجتمع بمنتجات مسؤولة بما يخدم قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة
ب – كذلك السعي إلى تفعيل مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة وأولياء أمورهم والمعنيين في مجال الإعاقة بوسائل التواصل الاجتماعي واستخدامها كأداة مؤثرة لكسب التأييد في قضايا الإعاقة المختلفة
٨- تسليط الضوء على إمكانيات الأشخاص ذوي الإعاقة وقدراتهم والمطالبة بحقوقهم
٩- العمل على تقييم دور المسؤولية الاجتماعية في وسائل الإعلام والسعي الدائم لرفع مستوى البرامج الاجتماعية بما يخدم قضايا المجتمع، بما فيها قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة، دون تحيّز أو السعي للكسب المادي.

لذلك من الضروري ….. إعداد وتنفيذ حملات “إعلامية ـ إعلانية“ منتظمة تهدف إلى :
-تغيير الخطاب الإعلامي والصورة النمطية التي عادة ما يظهر عليها الأشخاص ذوو الإعاقة من خلال الحد من كل محتوى يظهرهم بشكل سلبي أو مبالغ به أو مسيء أو مثير للشفقة في البرامج الإعلامية المتنوّعة من أفلام ومسرحيات ومسلسلات وإبراز الجانب الإيجابي منه
-منح فرص حقيقية في إشراك الأشخاص ذوي الإعاقة في الإشراف والتقديم لبرامج تلفزيونية والمحتوى الإعلامي بشكل عام لتحقيق المصداقية والشفافية من خلال تقديم التدريب والتوعية والدعم الشامل من قبل المؤسسات والجهات المشرفة على وسائل الإعلام
-تخصيص صفحات خاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة في الصحف والمجلات وتشجيعهم وحثهم على المساهمة الصحفية فيها من خلال :
-إعداد المقالات وطرح القضايا والمشكلات الخاصة بهم للرأي العام -ومساعدتهم لإيجاد الحلول المناسبة لها التي تساهم في الحد منها أو حلها، -والعمل على إنتاج أعمال فنية تبرز الجانب الإيجابي للأشخاص ذوي الإعاقة من خلال حث شركات الإنتاج (السينمائية – المسرحية) على إنتاج مثل تلك الأعمال، بالإضافة إلى إبراز قدرات ومواهب الأشخاص من ذوي الإعاقة للمشاركة في تلك الأعمال الفنية دون التركيز على إعاقتهم.
-إقامة ورش إعلاميّة يتم فيها دمج الأشخاص ذوي الإعاقة مع الإعلاميين من خلال التواصل مع وسائل الإعلام والإعلاميين وتحفيزهم على تناول وطرح قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة والتنوّع في إظهار الجوانب الإيجابية والإبداعية لديهم
-كذلك تفعيل الاتفاقيات الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على أرض الواقع من خلال وسائل الإعلام وحثهم على إقامة الحملات التوعوية والتثقيفية في طرح قضايا الإعاقة في المجتمع في مختلف وسائل الإعلام
– إعداد وتقديم دورات تثقيفية توعوية بالإعاقة والأشخاص ذوي الإعاقة، -وتدريس مواد ومناهج معنية بالإعاقات للإعلاميين وطلاب كلية الإعلام بالجامعات.

وختاما
لقد تناولت في هذا الموضوع استعراض وتقييم واقع وسائل الإعلام ودورها في خدمة قضايا الأشخاص ذوي الاعاقه, حيث أوضحت من وجود ثلاث أساليب تتعامل من خلالها وسائل الإعلام العربي مع قضايا الإعاقة و الأشخاص ذوي الاعاقه و هي :
التعتيم (اللامبالاة و عدم الاهتمام), التشويه
وإعلام المناسبات.
ثم تطرقت إلى عرض لبعض الاقتراحات التي من يمكن لوسائل الإعلام القيام بها لكي تنهض بدورها المأمول في خدمة قضايا الأشخاص ذوي الاعاقه في مجتمعاتنا.
واختتمت باهميه توعية وسائل الاعلام بقضايا االاشخاص ذوي الاعاقه من خلال تحرك الجمعيات ذات الصلة بذوي الاعاقه بقوة لكي تستفيد من الإعلام و تأثيراته على أفراد الجمهور. ينبغي على تلك الجمعيات ألا تقنع فقط بالتغطية الخبرية لأنشطتها, بل يجب أن تجاوز ذلك على محاول خلق ثقافة جديدة يتعامل من خلال وسائل الإعلام مع قضايا الإعاقة . إن للإعلام وظائف كثيرة, و لا زالت الجمعيات ذات الصلة بذوي الاعاقه ترضى بالقليل و هي مجرد عدة تغطيات إخبارية هنا و هناك بشكل فردي.
في النهايه يحتاج الاعلامي قبل كتابه مقاله او موضوع عن ذوي الاعاقه الثقافه التخصصيه بقضايا ذوي الاعاقه ، والاطلاع علي حقوق الاشخاص ذوي الاعاقه من خلال الاتفاقيه ، الاطلاع علي المصطلحات ، التعرف عن الاعاقه
ويجب ان يعلم الجميع بأن الإعلام صناعة و حرفة و تكامل و ليس مجرد جهود فردية خجولة أو عمل للهواة.
و لذا فإننا نتصدى لقضية رئيسة و هي هنا تفعيل العلاقة بين الإعلام و الإعاقة, و هي مسألة ينبغي تظافر جميع الجهود و تكاملها في المجتمع من أجل تعامل أفضل للأشخاص ذوي الاعاقه في مجتمعنا و تحويلهم على قوة فاعلة في تنمية المجتمع
دكتورة هلا السعيد
مستشار وخبير
بشؤون الاشخاص ذوي الاعاقه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى